25 January 2010

رباعيات الخيام تعيد ما انقطع في ألبانيا بعد نصف قرن

رباعيات الخيام
تعيد ما انقطع في ألبانيا بعد نصف قرن

~ This article is published in Arabic in 2006, in “Al-Ghad” newspaper in Jordan. ~

محمد م. الأرناؤوط
        يؤكد د. أكمل الدين احسان اوغلو في كتابه الجديد "الاتراك في مصر وتراثهم الثقافي" (استنبول 2006) على الطابع الثلاثي المركب للثقافة العثمانية التي كانت تقوم على ثلاث لغات وآدابها (التركية والعربية والفارسية). وفي هذا السياق يستعرض د. أكمل الدين في كتابه الاهتمام باللغة الفارسية وآدبها في مصر التي لا تربطها رابطة جغرافية او لغوية / ثقافية مع العالم الفارسي، وما أثمر ذلك عن ترجمة وطباعة لاعمال كثيرة.
        ويمكن ان يقال ذلك ايضاً عن ألبانيا، مع الفارق ان الحكم العثماني دام مئة سنة أكثر. وهكذا فقد وصلت البانيا البعيدة ثلاث لغات وآداب جديدة (التركية والعربية والفارسية)، وبرز بين الألبان الكثير ممن أتقنوا وأبدعوا في هذه اللغات كتابة وترجمة من لغة الى أخرى. ولكن الفارق هنا يكمن في ان هذا "الرصيد العثماني" قد استمر في مصر خلال القرن العشرين، كما يبدو في كتاب د. أكمل الدين، بينما تعرض في ألبانيا الى الانقطاع نتيجة للظروف الخاصة التي حكمت البلاد هناك.
        ففي منتصف القرن العشرين (1944) وصل الحزب الشيوعي الألباني الى السلطة ،وطيلة نصف قرن من  حكمه مارس سياسة اقصائية في الثقافة ايضاً حيث عاشت ألبانيا في غربة عن ابداعات الكتاب الذين صنفوا ضمن "أعداء الشعب" وفي عزلة عن الابداعات العالمية التي لم تكن تنسجم مع المعايير الاديولوجية للحزب الحاكم.
       ومن هنا يمكن أن نفهم الحركة الثقافية الجديدة في ألبانيا بعد نهاية احتكار الحزب الشيوعي للحقيقة والسلطة في 1990-1992م ، التي سعت الى اعادة الاعتبار لكبار الكتاب الذين كانوا من المغضوب عليهم خلال الحكم الشيوعي ، واعادة طبع أعمالهم التي لم تعد معروفة لغالبية الالبان. فثلتا سكان ألبانيا الحالية ولدوا ونشأوا بعد 1945 ، وبالتالي فقدوا الصلة باولئك الكتاب الذين لم يرحبوا بوصول الحزب الشيوعي الى السلطة.
       وفي هذا السياق يمكن أن نفهم ونقدر صدور الطبعة الالبانية الجديدة من " رباعيات" الخيام بعناية المستشرق الالباني الشاب ارمال بيغا  Ermal Bega( تيرانا 2006)، التي مثلت فرصة جيدة لاغلبية الالبان للتعرف على شاعر عالمي مثل الخيام وعلى أحد رموز الحياة الثقافية الالبانية في النصف الاول للقرن العشرين ألا وهو علي كورتشا(1874-1956) الذي أبدع في ترجمة " الرباعيات " من اللغة الفارسية.
        ومع أن علي كورتشا هو خير نموذج لتمثل " الثقافة العثمانية" بلغاتها وآدابها الثلاث ، الا أن هذا لم يمنعه من تزعم المطالبة برعاية اللغة القومية للآلبان وكتابة اللغة الالبانية بالحروف اللاتينية مما أثار عليه نقمة السلطات العثمانية التي سجنته ونفته عدة مرات .
        وبعد اعلان الاستقلال الالباني عن الدولة العثمانية في 1912 وتبني الابجدية اللاتينية ، خاض علي كورتشا في مجال غير مسبوق ألا وهو ترجمة القرآن الى اللغة الالبانية باعتباره الكتاب المقدس لاغلبية الالبان . وكما كان علي كورتشا يجيد اللغة العربية(كان أستاذا للغة العربية في المدرسة الاسلامية بتيرانا وعضوا في المجلس الاعلى للافتاء) كان يجيد أيضا التركية والفارسية ويكتب بها كأحد أبنائها.ولذلك فقد عمل كورتشا على ترجمة روائع تلك اللغات  الى لغته الام (الالبانية) التي غدت اللغة الرسمة للدولة الجديدة.
        وفي هذا الاطار فقد اهتم كورتشا الشاعر ( الذي أثبت نفسه في ملحمة " التاريخ المقدس " التي جاءت في 70 ألف بيت) بترجمة عيون الادب الفارسي الى اللغة الالبانية ليتعرف عليها الجيل الجديد من الالبان الذي لم يعد يعرف سوى الالبانية . وهكذا فقد نشر في 1925 رائعتي "الروضة" و " البستان " للشاعرين المعروفين سعدي وحافظ الشيرازي في كتاب واحد نال الاستحسان من الاوساط المثقفة. ويبدو أنه مع هذا الاهتمام المتجدد بالادب الفارسي صدرت في تيرانا آنذاك (1928) " رباعيات " الخيام من ترجمة شخص غير معروف هو رشيد بلبل R.Bilbili  (تبين لاحقا انه اسم مستعار للكاتب الالباني المعروف فان نولي ). ونظرا الى أن هذه الترجمة تمت بواسطة اللغة الانكليزية ( ترجمة فيتزجيرالد) فقد أثارت علي كورتشا بما فيها من تصرف وابتعاد عن الاصل وقرر أن يترجم " الرباعيات " مباشرة من اللغة الفارسية. وهكذا فقد صدرت الترجمة الجديدة في 1930 ، التي أثنى عليها كبار المثقفين المخضرمين ( وجهي بوخاريا وغيره). ونظرا للاقبال عليها فقد صدرت هذه الترجمة في طبعة ثانية في 1942.
         ولكن بعد سنتين (1944) وصل الحزب الشيوعي الى السلطة وحكم بالنفي على علي كورتشا مما أدى الى تغييب كل أعماله المؤلفة والمترجمة . ولذلك فقد جاءت الان الطبعة الجديدة (الثالثة) والانيقة لتعرف غالبية الالبان لاول مرة على الشاعر عمر الخيام وعلى المترجم علي كورتشا أيضا.
         في مقدمة الكتاب يطرح علي كورتشا تحت عنوان " لماذا هذه الترجمة" السبب الذي دفعه الى ترجمة " الرباعيات" ، ألا وهو صدور الترجمة الاولى عن الانكليزية ، حيث يتتبع سقطات تلك الترجمة ويعقد مقارنات دقيقة مع الاصل حتى يوضح الاخطاء التي وقعت فيها.وفي هذا السياق فقد أخذ كورتشا على المترجم فيتزجيرالد اقحام رباعيات منسوبة الى الخيام، ولذلك فقد عاد الى الاصول المحققة ليأخذ 133 رباعية فقط.
        ومن ناحية أخرى يخوض كورتشا في المقدمة في تاريخ بلاد فارس وانتشار الاسلام والثقافة الجديدة ، ويتوقف طويلا عند الشاعر عمر الخيام مما يشكل للقارىء لوحة واسعة عن الخيام وعصره. وقد سمح كورتشا لنفسه أن يتدخل من خلال الهوامش في أسفل الصفحات لتفسير وتوضيح بعض التعابير والغوامض ، وهو مايدلل بطبيعة الحال على عمق ثقافته الفارسية والاسلامية.
         وبالاضافة الى ذلك لدينا في هذه الطبعة كلمة لسفير ألبانيا الاسبق في أنقرة رؤوف فيتسو ، الذي كان قد تعلم مبادىء الفارسية من علي كورتشا. ويتحدث فيتسو هنا عن مصادفة جمعته مع سفير ايران في أنقرة ، حيث سأله عن علي كورتشا الذي كان يكتب أحيانا في الصحافة الايرانية وقال له أن الكتاب في طهران لا يصدقون أن هناك من يتقن الى هذا الحد اللغة الفارسية خارج بلادهم.
        وهكذا مع الطبعة الجديدة لـ " رباعيات " الخيام يكتشف غالبية الالبان ماحرموا منه طيلة عقود : الشاعر العظيم عمر الخيام والمترجم المبدع علي كورتشا.

الصورة : غلاف الطبعة الجديدة من " رباعيات " الخيام

Ky artikull është botuar në gazetëm “Al-Ghad” - Jordani, në vitin 2006 nga Dr. Muhamed Mufaku (Arnauti) në gjuhën arabe për shkak të ribotimit të "Rubaijjati Umer Khajjamit" (Përkthyer nga origjinali persisht nga Hafiz Ali Korça), botim i vitit 2006, në Tiranë.

1 comment:

Anonymous said...

السلام عليكم .شكرا لك على المجهود لكن اتمنى عليك ان تحدد لنا معايير الجودة ولو اني اعتبر ان طبيعة المحتوى من اهمها

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

Contact Form

Name

Email *

Message *